هناك أعباء ووظائف كثيرة تقع على عاتق الرأي العام ويتكفل بها ومن هذه الأعباء نذكر: الرأي العام مرآة تعكس أخلاق المجتمع يعد الرأي العام ـ بحق ـ المرآة التي تعكس خلالها قيم المجتمع وأخلاقياته ومثله وهذه المسؤولية لم تكن من مختصات الرأي العام الإسلامي فحسب، وإنما يتكفل بأعباء ها الرأي العام في كل مجتمع. يقول ماكد وجال في ذلك: (إن الرأي العام هو أحد العوامل الأربعة الكبرى التي تحمل المثل الخلقية بجانب): أ: القوة. ب: العادات والتقاليد. ج: العقل. والرأي العام يعتبر بهذا أقوى سند للأخلاق)(10). على هذا يكون الرأي العام الإسلامي الدعامة التي يمكن أن تحتمي بها المثل والأخلاق في المجتمع الإسلامي إذ أن الرأي العام سيرفض بلا شك ـ أي تصرف لا أخلاقي يمكن أن يصدر من قبل أي فرد من أفراد المجتمع الإسلامي كما أن الرأي العام سوف يضع في الدائرة الحمراء من ينتهك المثل الأخلاقية للمجتمع الإسلامي فيكون ذلك الفرد بمعزل عن المجتمع الإسلامي. وبما أن الإنسان بمقتضى فطرته لا يمكنه العيش بمعزل عن الحياة في الجماعة سيتأمل كثيراً قبل أن يتصرف ما يمكن أن يضعه في دائرة العزلة الاجتماعية. وقد تجلت آثار هذا الأمر في المقاطعة الاجتماعية التي أمر بها الرسول لأولئك الذين تخلفوا عن الجهاد مع رسول الله في إحدى غزواته حين صاروا درساً لكل من تسول له نفسه مخالفة القيم الإسلامية فقد وصف القرآن الكريم الحالة النفسية المتردية التي كان يعيشها أولئك المتخلفون جراء مقاطعة المجتمع لهم قائلاً: (حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم..) (11). فكان الرأي العام إذن وسيلة رادعة لكل من يحاول مخالفة القيم الإسلامية وتجاوزها ولكنه ليس من نوع تلك الوسائل والسبل العقابية التي تستخدم في ردع المخالفين وكفهم عن غيهم، وإنما يعد وسيلة سلمية يلتجئ إليها الإسلام تجاه مخالفيه. وهذا يرد زعم البعض من أن الدين الإسلامي الحنيف هو دين العنف، دين العصا الغليظة إزاء من يخالف أحكامه. إذن فالرأي العام (يقوم بوظيفة الحارس على الأخلاق المستمدة من القيم الدينية والروحية، والنظرة الإسلامية للرأي العام تتفق مع أفكار هؤلاء الخبراء والباحثين، فالرأي العام الإسلامي مطالب بالحفاظ على الأخلاق الإسلامية التي وردت في كتاب الله وسنة رسوله وعليه أن يقوم أي انحراف أو خروج عن المثل التي جاء بها الإسلام، بل والزام جميع المسلمين بعدم السكوت على أي خطأ أو منكر يواجهونه)(12). فالإسلام يحث الرأي العام دائماً عن طريق الآيات واقوال الرسول واهل بيته الطاهرين على القيام بأعباء هذه الوظيفة وعدم التساهل فيها وإلا ففي التهاون العقاب الأكبر الذي يدفع المجتمع ثمنه من خلال تسلط الأشرار على المجتمع الذي نسي وظيفته هذه، فقد ورد في الكتاب الكريم قوله تعالى في ذلك: ( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً) (13). كما ورد عن رسول الله(ص) قوله: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك اضعف الإيمان). 2ـ دعم الهيئات والمنشآت الاجتماعية والاقتصادية: أما الوظيفة الثانية التي يتكفل بها الرأي العام فهي دعم الهيئات والمنشآت الاجتماعية والاقتصادية فمن المعروف أن الهيئات والمنشآت المتقدمة الذكر لم تكن قد أسست لنفسها وإنما كان الغرض من تأسيسها واقامتها هو المجتمع الذي ما لم تحصل على تأييده مادياً ـ بالنسبة للمنشآت الاقتصادية ـ ومعنوياً ـ بالنسبة للهيئات الاجتماعية فسوف لن يكتب لها الاستمرار. (فالمنشأة التي لا يسندها الرأي العام يصعب عليها أن تحصل على ما تريد من الدعم المالي والأدبي الذي يؤيده الرأي العام)(14). 3ـ دعم الجماهير معنوياً وبث النشاط والحيوية فيها: وهذه وظيفة أخرى يتكفل بها الرأي العام كذلك. فالخبراء يرون أن الحفاظ على الروح المعنوية من الأدوار الرئيسية المنوطة بالرأي العام. فكلما كان تأييد الرأي العام لقيم الجماعة قوياً كلما خلق في تلك الجماعة روحاً معنوية عالية، بخلاف ما لو كان تأييد الرأي العام لقيم الجماعة تاييداً ضعيفاً، أو فيما لو انقسم الرأي العام على نفسه إلى رأيين عامين يناقض احدهما الآخر أو يضاده فإن الروح المعنوية ستكون بلا ادنى شك ضعيفة ومتدنية. (إذن فتأييد الرأي العام أمر أساسي إذا اريد أن تكون هناك روح معنوية عالية ومما يقوي الروح المعنوية في الشعب الاتفاق على الأهداف، والعزم الأكيد على تحقيقها..) (15). هذا بالنسبة للرأي العام بصورة عامة، ولم يكن الإسلام قد جاء بخلاف هذا فيما يخص دور الرأي العام في تقوية الروح المعنوية للجماعة. فالدين الإسلامي يحث دوماً على دعم روح التعاون بين المسلمين، وتربيتهم على روح التعاون والإيثار والتضامن الاجتماعي فيما بينهم ، وما المؤاخاة التي قام بها الرسول الكريم(ص) إبان هجرته إلى يثرب سوى مظهر من مظاهر هذه الدعوة لضمان رفع الروح المعنوية بين المسلمين قال الله تعالى في كتابه الكريم: ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) (16). كما ورد عن رسول الله(ص) قوله: (المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً). |