عدد المساهمات : 82 تاريخ التسجيل : 25/03/2010 العمر : 47 الـبلد : عربي
موضوع: آليات التوازن في إدارة المال العام 29/11/2010, 12:11
آليات التوازن في إدارة المال العام استخدمت الصفوة مجموعة آليات في هذا الصددأهمها: أـ مسؤولية تحديد عطاء الخليفة وضوابطه: إن المجتمع هو الذي يحددللخليفة عطاءه، كما أن له حق التدخل في مراجعة ما يقرره الخليفة من مخصصات ماليةلأمرائه، خاصة إذا تعارض التحديد مع متطلبات دور الدولة، تجاه المجتمع. فالرعية،ممثلة في أهل الحل والعقد، هي التي فرضت للخلفاء بدءا بأبى بكر، العطاء بحيثيتفرغون لأمر المسلمين. فلقد فرضت الصفوة لأبى بكر في بيت المال قوت رجل منالمهاجرين ليس بأفضلهم ولا أوكسهم، وكسوة الشتاء والصيف، شريطة أن يعيد ما يبلى،ويأخذ غيره. وفرضوا لعمر عطاء لم يَكْفِهِ هو ومن يعولهم. فطلب الزيادة قائلاً: "زيدوني فإن لي عيالاً وقد شغلتموني عن التجارة فزادوه. وقال له على بهذه المناسبة: "لك من هذا المال ما يقيمك، ويصلح عيالك بالمعروف، وليس لك من هذا المالغيره". ب ـ التمييز بين تعيين الحق واستيفاءه: بعد فتح الشام والعراق، سألعمر وجوه مسلمين عما يحل للوالي من هذا المال في ضوء الزيادة الهائلة في مواردالدولة، فقالوا: "أما لخاصته فقوته وقوت عياله، وكسوته وكسوتهم، لا وكس ولا شطط،وما يغطى حوائجه، وظهر لحجه وعمرته، ثم عليه أن يقسم بالسوية، ويعطى أهل البلاء قدربلائهم". ج ـ تقنين سلطة الخليفة في التصرف في المال العام: يد الإمام غيرمطلقة في المال والعام، فهو فيه بمنزلة الأجير. قال أبو بكر في مرض الموت: "إني ماأصبت من دنياكم شيئاً. ولقد أقمت نفسي في مال الله، وفئ المسلمين مقام الوصي في مالاليتيم، إن استغنى تعفف. وإن افتقر أكل المعروف". وكان عمر يحلف على أيمانثلاثة، ويقول: "والله ما أحد أحق بهذا المال من أحد، وما أنا بأحق به من أحد. ووالله ما من المسلمين أحد إلا وله في هذا المال نصيب، إلا عبداً مملوكاً، ولكناعلى منازلنا من كتاب الله، وقسمنا من رسول الله، فالرجل وبلاؤه في الإسلام، والرجلوقدمه في الإسلام، والرجل وغناؤه في الإسلام". بل إن سلمان الفارسي أجاب علىسؤال عمر له: "أتراني مستحقاً للقب أمير المؤمنين؟ قائلاً: "نعم إذا لم تستأثر علىالناس بتمرة". د ـ المسؤولية التضامنية: قررت الصفوة مبدأ المسؤوليةالتضامنية، لكل جيل من الأمة، على صعيد الدولة والمجتمع معاً انطلاقاً من "فقهالسفينة" الذي يعتبر "مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا فيسفينة، فصار بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها. فقال الذين هم أسفلها: لو أنا خرقنا فينصيبنا خرقاً فشربنا، ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإنأخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعا" وتأسيساً على ذلك، أكدت الصفوة على حقالمجتمع في مراقبة الدولة في التصرف في المال العام، إلى حد أن عمر بن الخطاب، وأباذر، لم يحبا أن يوصف المال العام بأنه "مال الله" وآثراً تسميته "مال المسلمين". فقال أبو ذر لمعاوية: "ما يحملك على أن تسمى مال المسلمين، مال الله"؟ فنزل معاويةعلى رأيه. والحق أن أبا ذر يعلم أن المال مال الله، ولكنه آثر استخدام المصطلح الذييوحي بحق كل فرد في المال العام، وفي الرقابة على إنفاقه في المصارف الشرعية. هـ حق الصفوة في مراجعة مخصصات الولاة الفرعيين: سلمت الصفوة بحق المجتمع فيمراجعة المخصصات التي يحددها الخليفة لأمرائه، إذا تعارض هذا التحديد مع متطلباتدعم التوافق بين الدولة والمجتمع. من ذاك، مناشدة أبي موسى الأشعري، أشراف البصرة،أن يكلموا عمر بن الخطاب في زيادة في مخصصاته من بيت المال، فكلموه في ذلك، فقال: يا معشر الأمراء أما ترضون لأنفسكم ما أرضاه لنفسي؟ فاحتجوا عليه باختلاف الظروف فيمجتمع المدينة، عنها في العراق، مما يحتم زيادة مخصصات الأمير، حتى يتثنى له تأليفقلوب الناس. الصفوة وتحديد دور الدولة والمجتمع عبر التوظيف السياسي للمالالعام: استعملت الصفوة المال العام كأداة لتحقيق التوافق والتوازن، بين دوريالدولة والمجتمع، في مجالي تحصيل المال العام وإنفاقه. وفيما يلي إشارة، إلى أهمالأوجه التي استخدمت الصفوة المال العام فيها، كأداة سياسية، في رسم ملامح دورالدولة، والمجتمع، وتحقيق التوافق والتوازن بينهما: أ ـ اعتبرت الصفوة السياسةالمالية ظاهرة توافقية غير جامدة. فعند حد ما دون "الكفاية" تلزم التسوية فيالعطاء. إذ تغدو القيمة الأولى، هي: الحفاظ على أرواح البشر. وفي ذلك يقول ابنعباس: "إن الله علم نبيه إبراهيم أن المؤمن والكافر يستويان في ضرورة تحقيقاحتياجاتهم الأساسية من الرزق الدنيوي". وروى الصحابة، بخصوص وجوب عدم التمييز، فيظل وضع ما دون حد الكفاية، موقفاً شرب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان علىيمينه أعرابي، وعلى يمين الأعرابي أبو بكر وعمر، فأمر أن يشرب الأعرابيقبلهما. أما حين يكثر المال العام، ويتعدى الحدود الكفيلة بتحقيق حد الكفاية،فإن الدولة تظل راعية وليست خازنة له، بمعنى أنه يتعين عليها، في منظور الصفوة، أنتوزع على المجتمع، كل الموارد السائلة، التي تزيد عن متطلبات تسيير أداةالحكم. ويذكر أن الإمام علياً لم يكن يترك شيئاً في بيت المال لأكثر من عام، دونأن يقسمه، بل كان يعطي العطاء ثلاث مرات، وربما أكثر، في العام الواحد، ويقول: "لستلكم بخازن". ويخاطب بيت المال قائلاً: "لا أمسى وفيك درهم". وكان يكنسه ويصلى فيهرجاء أن يشهد له أنه لم يحجز مال المسلمين عنهم. ولما سأل زياد بن أبيه، الصحابيعمران بن حصين، وكان قد بعثه ساعياً، فرجع وليس معه أي شئ: "أين المال؟". قال: "أللمال أرسلتني؟ أخذناها كما كنا نأخذها على عهد رسول الله، ووضعناها في المواضعالتي كنا نضعها فيها، على عهد رسول الله". ومن تعليمات الرسول لمعاذ، لما بعثهعلى الصدقة، أن يأخذها من الأغنياء ويردها على الفقراء، ويتجنب كرائم أموالالأغنياء، ويتقى دعوة المظلوم. ب ـ أسلمة إجراءات الجباية: لقد أرست الصفوةمن خلال تدابير الجباية التي اتبعوها صورة الدول الإسلامية كدولة راعية ذات وظيفةحضارية، فهذا عمر لا يسعده ضخامة ما جئ إليه به من أموال الجزية. ويسأل: "إنيلأظنكم قد أهلكتم الناس" فَهَمُهُ ليس المال؛ بدليل أنهم لما نفوا هذا الظن قائلينله: "لا، ما أخذنا إلا عفوا صفوا" أي ما هو فائض عن الحاجة تماماً، سأل عما إذاكانوا قد لجأوا، إلى أي درجة من الإكراه في التحصيل، قائلاً: "بلا سوط ولا نوط". أيبلا ضرب ولا إهانة، فلما قالوا له: نعم، قال: نعم، أي حل المال. الحمد لله الذي لميجعل ذلك على يدي، ولا في سلطاني". وكان علي يوصى عامله على الخراج، أمام الناسباستيفاء الحق كاملاً، ثم يخلو به ويأمره بالرفق بالناس، وبأن يأخذ المقرر على كلذي صنعة، عيناً بقيمته من الدراهم، ولا يحمله على بيعه، رفقاً به؛ وتخفيفاًعنه". ج ـ محاولة استئصال الفقر: قال ابن عباس، إن الصدقة لا تكون إلا عنظهر غنى، وفسر (وَيَسأَلونكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ العَفْو)، بأن العفو هو مايفضل عن نفقة الأهل. وحذر الإمام على من أن يكون خصم المرء حاكماً، أو محكوماً، عندالله، هم: الفقراء، والمساكين، والسائلون والغارم، وابن السبيل. د ـ المسؤوليةالتضامنية بين الأجيال بعد حد الكفاية: أرسى عمر، لما زادت إيرادات المال العاممع فتح العراق مبدأ ضرورة عدم استئثار الدولة بصنع القرار السياسي، المتعلق بترتيبأوضاع المال العام، فأجرى مشاورات موسعة مع المهاجرين، والأنصار، ووجهاء مسلميالفتح، أكد خلالها على ضرورة رعاية الثغور، واحتياجات الذرية والأرامل، ومصلحةالأجيال القادمة، في ترتيب أوضاع المال العام. وتمت المناقشة تحت شعار أساسي، هو: أن الحاكم مجرد فرد في هيئة الشورى، وإعلان الثقة في الأمة، خالفته، أو وافقته،والرد إلى كتاب الله. قال عمر: "إني واحد منكم، كأحدكم، وأنتم اليوم تقرون بالحق،خالفني من خالفني، ووافقني من وافقني، ومعكم من الله كتاب ينطق بالحق". ه ـضوابط وتدابير التوظيف السياسي للمال العام: انتهت الصفوة، إلى وضع أربعة ضوابطللتوظيف السياسي للعطاء، بعد حد الكفاية وهي: البلاء في الإسلام، والسابقة فيالإسلام، والخدمات التي يقدمها المرء للإسلام، ومطلق الحاجة. وَسَعَتْ الصفوة منخلال سياستها في إنفاق المال العام، إلى دعم بنية المجتمع، فكانت تعطى المتزوج ضعفحظ العازب. وتفرض لعيال المقاتلة، وذريتهم. بل إن عمر أمر مناديه أن يعلن فيالجنود: "أن عطاءهم قائم، ورزق عيالهم سائل. فلا يزرعون ولا يزارعون". وسعتالصفوة، عبر استخدام المال العام، الذي أضفوا عليه طابعاً إسلامياً، إلى حد أنالدراهم في عهد عبد الله بن الزبير، كان مكتوباً على أحد وجهيها شهادة، أن لا إلهإلا الله وأن محمد رسول الله، وعلى الوجه الثاني شعاراً سياسياً بالغ الأهمية، هو: "أمر الله بالوفاء، والعدل"، إلى دعم الأنساق المجتمعية. ومن قبيل الحرص على إيجادأنساق مجتمعية، ودعمها، أن أبا بكر قرن التسوية في العطاء بعدم إعطاء كل فرد نصيبهعلى حدة، وإنما كان يقسم المال على الناس، بالتسوية بين الحر، والعبد، والذكر،والأنثى، والصغير، والكبير، "نقرا نقرا" أي: في شكل أسهم، يصيب كل مائة إنسانواحداً منها. كما حرصت الصفوة، على دعم المحليات. فلم تكن تنقل مالاً من محلتهإلى العاصمة، إلا إذا زاد عن احتياجاتها. ولقد جاء في رسالة بعث بها عمرو بن العاص،إلى عمر، ما يؤكد هذا المبدأ، من قوله: "إن صلاح أحوال مصر رهن بأن يؤخذ ثلث خراجهافيصرف في عمارة طرقها وجسورها، ولا يستأدى خراج كل صنف إلا منه عند حصاده". وكانعمرو يحبس ما تحتاج إليه العمارة في مصر، ثم يبعث الفائض إلى عمر. وجعل الخراج نصفما كان عليه أيام المقوقس، مع قدر من السماحة في تحصيله، واعتبر أية زيادة، ولوطفيفة فيه، أمراً ضاراً من وجهة النظر المستقبلية، وسبيلاً إلى نقصالخراج. ورصدت الصفوة حصة من بيت المال، لدعم التواصل بين أجزاء الدولةالإسلامية، وخصص عمر عدداً ضخماً من الجمال، بوصفها وسيلة المواصلات المتاحة آنئذ،لتيسير انتقال من لا ظهر له بين الجزيرة، والشام، والعراق. كما اتخذ ما يسمى "دارالدقيق" وهي مكان يجعل فيه السويق، والتمر، والزبيب، ومتطلبات المعيشة الأخرى، يعينبه المنقطع به من أبناء السبيل، والضيف الغريب، ووضع في الطريق بين مكة والمدينة،ما يصلح به حاجة المسافر، وما يحمل عليه من ماء إلى ماء. والصفوة، في ذلك، تترسمالهدى القرآني المرشد إلى أن العمران يستلزم التواصل، مما يوفر الأمن، ولا يجعلالمسافر بحاجة إلى حمل ماء ولا زاد.
king المدير العام
عدد المساهمات : 2604 تاريخ التسجيل : 05/02/2010 العمر : 35 الـبلد : الوطن العربي
موضوع: رد: آليات التوازن في إدارة المال العام 1/12/2010, 16:21