عدد المساهمات : 2604 تاريخ التسجيل : 05/02/2010 العمر : 35 الـبلد : الوطن العربي
موضوع: تربية أولادنا في الزمن الصعب... قصة مشوّقة 7/5/2010, 11:25
تربية أولادنا في الزمن الصعب... قصة مشوّقة
بسم اللهالرحمن الرحيم كانت غرناطة آخر المعاقل التي سقطت في الأندلس، وقبل رحيل آخرملوكها عقد معاهدة مع ملك إسبانيا على أن يترك للمسلمين حريتهم في دينهم ولغتهم،ولكن الإسبان نكثوا عهودهم ومارسوا سياسة البطش لتحويل المسلمين إلىالنصرانية.
يقول العالم محمد بن عبد الرفيع الذي حضر هذه المأساة وأنجاهالله منها: "أطلعني الله على دين الإسلام بواسطة والدي -رحمة الله عليه- وأنا ابنستة أعوام وأقل، مع أني كنت إذ ذاك أروح إلى مكتب النصارى لأقرأ دينهم ثم أرجع إلىبيتي فيعلمني والدي دين الإسلام، فكنت أتعلم فيهما معاً، وسني حين حملت إلى مكتبهمأربعة أعوام.
فأخذ والدي لوحاً من عود الجوز كأني أنظر الآن إليه مملَّساًمن غير طَفَل ولا غيره، فكتب لي فيه حروف الهجاء في كرّتين. فلما فرغ من الكرةالأولى أوصاني أن أكتم ذلك حتى عن والدتي وعمي وأخي وجميع قرابتنا، وأمرني أن لاأخبر أحداً من الخلق ثم شدد علَّي الوصية، وصار يرسل والدتي إليَّ فتسألني: "ماالذي يعلمك والدك؟"، فأقول لها: "لا شيء"، فتقول: "أخبرني بذلك ولا تخف لأني عنديالخبر بما يعلمك"، فأقول لها: "أبداً ما هو يعلمني شيئاً". وكذلك كان يفعل عمي وأناأنكر أشد الإنكار.
ثم أروح إلى مكتب النصارى، وآتي الدار فيعلمني والدي إلىأن مضت مدة فأرسل إليَّ من إخوانه في الله الأصدقاء فلم أقر لأحد قط بشيء، مع أنه -رحمه الله تعالى- قد ألقى نفسه للهلاك لإمكان أن أخبر بذلك عنه فيحرق لا محالة. لكن أيدنا الله سبحانه وتعالى بتأييده وأعاننا على ذكره وشكره وحسن عبادته بين أظهرأعداء الدين".
قلت (شكيب أرسلان) فهمنا من هنا أن هؤلاء الجماعة كانواأُجبروا على النصرانية طراً، وإنما كانوا باقين في الغالب على الإسلام سراً، وكانوامضطرين أن يرسلوا أطفالهم حتى من سن أربع سنوات إلى مكاتب النصارى، ولم يكن يباحلهم أن يعلموا أولادهم شيئاً عن الإسلام، ومن كان يقدم على ذلك وكانت الحكومة تعلمبه كان يحرق بالنار. وبرغم هذا كله كان بعضهم حريصاً على تعليم أولاده عقيدتهالإسلامية ولغته العربية فكان يعلمهم ذلك مع أشد الاحتياط والامتحان خشية أن السلطةتأخذ سر الأمر من الأولاد فتحرق أولئك الوالدين بالنار كما هو قرار ديوان التفتيشالكاثوليكي.
ويتابع ابن عبد الرفيع: "وقد كان والدي -رحمه الله تعالى- يعلمني حينئذ ما كنت أقوله عند رؤيتي للأصنام وذلك أنه قال لي: "إذا أتيت إلىكنائسهم ورأيت الأصنام فاقرأ في نفسك سراً قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إنَّ الَذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَنيَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاًلاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [الحج: 73] و {قُلْيَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] إلى آخرها وغير ذلك من الآيات الكريمة،وقوله تعالى: {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً(156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَاللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَاخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّاتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً (157) بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِوَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً} [النساء: 156-158].
فلما تحقق والدي -رحمه الله تعالى- أني أكتم أمور دين الإسلام عن الأقارب فضلاً عن الأجانب أمرني أنأتكلم بإفشائه لوالدتي وعمي وبعض أصحابه الأصدقاء فقط. وكانوا يأتون إلى بيتنافيتحدثون في أمر الدين وأنا أسمع، فلما رأى حزمي مع صغر سني فرح غاية الفرح وعرفنيبأصدقائه وأحبائه وإخوانه في دين الإسلام فاجتمعت بهم واحداًواحداً".