عدد المساهمات : 192 تاريخ التسجيل : 25/02/2010 العمر : 36 الـبلد : الجزائر
موضوع: الحجب العشرة بين العبد وبين الله 19/4/2010, 20:19
الحجب العشرة بين العبد وبين الله ابن القيم الجوزية الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمدفهذه الحجبالعشرة بين العبد وربه: 1- الحجاب الأول: الجهل بالله: ألّا تعرفه.. فمن عرف الله أحبه.. وما عرفه من لم يحبه.. وما أحبقط من لم يعرفه.. لذلك كان أهل السنة فعلا طلبة العلم حقا هو أولياء الله الذينيحبهم ويحبونه.. لأنك كلما عرفت الله أكثر أحببته أكثر.. قال شعيب خطيب الأنبياء لقومه: واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود[هود:90]. وقال ربك جلّ جلاله: إن الذينآمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودّا[مريم:96]. إن أغلظ الحجب هو الجهل بالله وإلا تعرفه.. فالمرء عدو ما يجهل.. إن الذين لا يعرفون الله يعصونه. من لا يعرفون الله يكرهونه. من لا يعرفون الله يعبدون الشيطان من دونه. ولذلك كان نداء الله بالعلم أولاً: فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات[محمد:19]. فالدواء أن تعرف الله حق المعرفة.. فإذا عرفته معرفة حقيقية فعندذلك تعيش حقيقة التوبة. 2- الحجاب الثاني: البدعة: فمن ابتدع حجب عن الله ببدعته.. فتكون بدعته حجابا بينه وبين اللهحتى يتخلص منها.. قال: { من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد } [متفق عليه]. والعمل الصالح له شرطان: الإخلاص: أن يكون لوجه الله وحده لا شريك له. والمتابعة: أن يكونعلى سنة النبي. ودون هذين الشرطين لا يسمى صالحاً.. فلا يصعد إلى الله.. لأنهإنما يصعد إليه العمل الطيب الصالح.. فتكون البدعة حجاباً تمنع وصول العمل إلىالله.. وبالتالي تمنع وصول العبد.. فتكون حجاباً بين العبد وبين الرب.. لأن المبتدعإنما عبد على هواه.. لا على مراد مولاه.. فهوا حجاب بينه وبين الله.. من خلال ماابتدع مما لم يشرّع الله.. فالعامل للصالحات يمهد لنفسه.. أما المبتدع فإنه شرّ منالعاصي. 3- الحجاب الثالث: الكبائر الباطنة: وهي كثيرة كالخيلاء.. والفخر.. والكبر.. والغرور.. هذه الكبائرالباطنة أكبر من الكبائر الظاهرة.. أعظم من الزنا وشرب الخمر والسرقة.. هذه الكبائرالباطنة إذا وقعت في القلب.. كانت حجاباً بين قلب العبد وبين الرب. ذلك أن الطريق إلى الله إنما تقطع بالقلوب.. ولا تقطع بالأقدام.. والمعاصي القلبة قطاع الطريق. يقول ابن القيّم: ( وقد تستولي النفس على العمل الصالح.. فتصيرهجنداً لها.. فتصول به وتطغى.. فترى العبد: أطوع ما يكون.. أزهد ما يكون.. وهو عنالله أبعد ما يكون.. ) فتأمل..!! 4- الحجاب الرابع: حجاب أهل الكبائر الظاهرة: كالسرقة.. وشرب الخمر.. وسائر الكبائر.. إخوتاه.. يجب أن نفقه في هذا المقام.. أنه لا صغيرة مع الإصرارولا كبيرة مع الاستغفار.. والإصرار هو الثبات على المخالفة.. والعزم على المعاودة.. وقد تكون هناك معصية صغيرة فتكبر بعدة أشياء وهي ستة: (1) بالإصرار والمواظبة: مثاله: رجل ينظر إلى النساء.. والعين تزني وزناها النظر.. لكن زناالنظر أصغر من زنا الفرج.. ولكن مع الإصرار والمواظبة.. تصبح كبيرة.. إنه مصر علىألا يغض بصره.. وأن يواظب على إطلاق بصره في المحرمات.. فلا صغيرة مع الإصرار.. (2) استصغار الذنب: مثاله: تقول لأحد المدخنين: اتق الله.. التدخين حرام.. ولقد كبرسنك.. يعني قد صارت فيك عدة آفات: أولها: أنه قد دب الشيب في رأسك. ثانياً: أنك ذولحية. ثالثاً: أنك فقير. فهذه كلها يجب أن تردعك عن التدخين.. فقال: هذه معصية صغيرة. (3) السرور بالذنب: فتجد الواحد منهم يقع في المعصية.. ويسعد بذلك.. أو يتظاهربالسعادة.. وهذا السرور بالذنب أكبر من الذنب.. فتراه فرحاً بسوء صنيعه.. كيف سبهذا؟؟.. وسفك دم هذا؟.. مع أن { سباب المسلم فسوقوقتاله كفر }. أو أن يفرح بغواية فتاة شريفة.. وكيف استطاع أن يشهر بها.. مع أنالله يقول: إن الذينيحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم[النور:19]. انتبه.. سرورك بالذنب أعظم من الذنب. (4) أن يتهاون بستر الله عليه: قال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: ( يا صاحب الذنب لا تأمن سوءعاقبته.. ولما يتبع الذنب أعظم من الذنب إذا عملته.. قلة حيائك ممن على اليمين وعلىالشمال ـ وأنت على الذنب ـ أعظم من الذنب.. وضحكك وأنت لا تدري ما الله صانع بكأعظم من الذنب.. وفرحك بالذنب إذا ظفرت به أعظم من الذنب.. وخوفك من الريح إذا حركتستر بابك ـ وأنت على الذنب ـ ولا يضطرب فؤادك من نظر الله إليك أعظم من الذنب ). (5) المجاهرة: أن يبيت الرجل يعصي.. والله يستره.. فيحدث بالذنب.. فيهتك سترالله عليه.. يجيء في اليوم التالي ليحدث بما عصى وما عمل!!.. فالله ستره.. وهو يهتكستر الله عليه. قال: { كل أمتي معافى إلا المجاهرون.. وإن المجاهرة أن يعمل الرجلبالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا. وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عليه }. (6) أن يكون رأساً يقتدى به: فهذا مدير مصنع.. أو مدير مدرسة أو كلية.. أو شخصية مشهورة.. ثميبدأ في التدخين.. فيبدأ باقي المجموعة في التدخين مثله.. ثم بعدها يبدأ في تدخينالمخدرات.. فيبدأ الآخرون يحذون حذوه. هكذا فتاة قد تبدأ لبس البنطلون الضيق يتحول بعدها الموضوع إلىاتجاه عام. وهكذا يكون الحال إذا كنت ممن يُقتدى بك.. فينطبق عليك الحديثالقائل: { من سنّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرهاووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء } [مسلم]. 5- الحجاب الخامس: حجاب أهل الصغائر: إن الصغائر تعظم.. وكم من صغيرة أدت بصاحبها إلى سوء الخاتمة.. والعياذ بالله. فالمؤمن هو المعظم لجنايته يرى ذنبه ـ مهما صغر ـ كبيراً لأنهيراقب الله.. كما أنه لا يحقرن من المعروف شيئاً لأنه يرى فيه منّه وفضله.. فيظلبين هاتين المنزلتين حتى ينخلع من قلبه استصغار الذنب واحتقار الطاعة.. فيقبل علىربّه الغفور الرحيم التواب المنان المنعم فيتوب إليه فينقشع عنه هذا الحجاب. 6- الحجاب السادس: حجاب الشرك: وهذا من أعظم الحجب وأغلظها إثماً.. وقطعه وإزالته بتجريدالتوحيد.. وإنما المعنى الأصلي الحقيقي للشرك هو تعلق القلب بغير الله تعالى.. سواءفي العبادة.. أو في المحبة.. سواء في المعاني القلبية.. أو في الأعمال الظاهرة. والشرك بغيض إلى الله تعالى فليس ثمة شيء أبغض إلى الله تعالى من الشرك والمشركين. والشرك أنواع.. ومن أخطر أنواع الشرك: الشرك الخفي وذلك لخفائهوخطورته حتى يقول الله عن صاحبه: ويوم نحشرهمجميعاً ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون * ثم لم تكن فتنتهم إلاأن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين * انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضلّ عنهم ما كانوايفترون[الأنعام:22-24]. فجاهد أخي في تجريد التوحيد.. سل الله العافية من الشرك.. واستعذبالله من { اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئاً أعلمهوأستغفرك لما لا أعلمه }. هنا يزول الحجاب.. مع الاستعاذة.. والإخلاص.. وصدق اللجأ الىالله. 7- الحجاب السابع: حجاب أهل الفضلات والتوسع في المباحات: قد يكون حجاب أحدنا بينه وبين الله بطنه.. فإن الأكل حلال.. والشرب حلال.. لكن النبيقال: { وما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن } [الترمذي] فإن المعدة إذا امتلأت.. نامت الفكرة.. وقعدت الجوارح عن الخدمة.. إن الحجاب قديكون بين العبد وبين الله ملابسه.. قد يعشق المظاهر.. وقد قال: { تعس عبد الدرهم وعبد الخميصة } [البخاري]. فسماه عبداً لهذا فهي حجاب بينه وبين ربه.. تقول له: قصّر ثوبك قليلاً.. حيث قالالرسول: { ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار } [البخاري]. يقول: أنا أخجل من لبس القميص القصير.. ولماذا أصنع ذلك؟ هل تراني لاأجد قوت يومي؟! فالمقصود أن هذه الأعراف.. والعادات.. والفضلات.. والمباحات.. قدتكون حجاباً بين العبد وبين ربه.. وقد تكون كثرة النوم حجاباً بين العبد وبينالله.. قد يكون الزواج وتعلق القلب به حجاب بين العبد وبين الله.. وهكذا الاهتمامبالمباحات.. والمبالغة في ذلك.. وشغل القلب الدائم بها.. قد يكون حجاباً غليظاًيقطعه عن الله. نسأل الله عز وجل ألا يجعل بيننا وبينه حجاباً.. 8- الحجاب الثامن: حجاب أهل الغفلة عن الله: والغفلة تستحكم في القلب حين يفارق محبوبه جل وعلا.. فيتبع المرءهواه.. ويوالي الشيطان.. وينسى الله.. قال تعالى: ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا[الكهف:28].. ولا ينكشف حجابالغفلة عنه إلا بالانزعاج الناشئ عن انبعاث ثلاثة أنوار في القلب.. 1) نور ملاحظة نعمة الله تعالى في السر والعلن.. حتى يغمر القلبمحبته جلّ جلاله. فإن القلوب فطرت على حب من أحسن إليها. 2) نور مطالعة جناية النفس.. حتى يوقن بحقارتها.. وتسببها فيهلاكه.. فيعرف نفسه بالازدراء والنقص.. ويعرف ربه بصفات الجمال والكمال.. فيبذللله.. ويحمل على نفسه في عبادة الله.. لشكره وطلب رضاه. 3) نور الانتباه لمعرفة الزيادة والنقصان من الأيام.. فيدرك أنعمره رأس ماله. فيشمّر عن ساعد الجدّ حتى يتدارك ما فاته في يقسة عمره. فيظل ملاحظا لذلك كله.. فينزعج القلب.. ويورثه ذلك يقظة تصيحبقلبه الراقد الوسنان.. فيهب لطاعة الله.. سبحانه وتعالى.. فينكشف هذا الحجاب.. ويدخل نور الله قلب العبد.. فيستضيء. 9- الحجاب التاسع: حجاب اهل العادات والتقاليد والأعراف: إن هناك أناساً عبيد للعادة.. تقول له: لم تدخن؟!!.. يقول لك: عادة سيئة.. أنا لا أستمتع بالسيجارة.. ولا ضرورة عندي إليها.. وإنما عندما أغضبفإني أشعل السيجارة.. وبعد قليل أجد أني قد استرحت. ولما صار عبد السيجارة.. فصارت حجاباً بينه وبين الله.. ولذلك أولسبيل للوصول إلى الله خلع العادات.. ألا تصير لك عادة.. فالإنسان عدو عادته فلكيتصل إلى الله، فلا بد أن تصير حراً من العبودية لغير الله. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ( ولا تصح عبوديته ما دام لغير اللهفيه بقية ).. فلا بد أن تصير خالصاً لله حتى يقبلك. 10- الحجاب العاشر: حجاب المجتهدين المنصرفين عن السير إلىالمقصود: هذا حجاب الملتزمين.. أن يرى المرء عمله.. فيكون عمله حجاباً بينهوبين الله.. فمن الواجب ألا يرى عمله.. وإنما يسير بين مطلعة المنّة.. ومشاهدة عيبالنفس والعمل.. يطاع منّة الله وفضله عليه أن وفقه وأعانه.. ويبحث في عمله.. وكيفأنه لم يؤده على الوجه المطلوب.. بل شابه من الآفات ما يمنع قبوله عند الله.. فيجتهد في السير.. وإلا تعلق القلب بالعمل.. ورضاه عنه.. وانشغاله به عن المعبود.. حجاب.. فإن رضا العيد بطاعته.. دليل على حسن ظنه بنفسه.. وجهله بحقيقة العبودية.. وعدم علمه بما يستحقه الرب جلّ جلاله.. ويليق أن يعمل به.. وحاصل ذلك أن جهله بنفسهوصفاتها وآفاتها.. وعيوب عمله.. وجهله بربه وحقوقه.. وما ينبغي أن يعامل به.. يتولدمنها رضاه بطاعته.. وإحسان ظنه بها.. ويتولد من ذلك من العجب والكبر والآفات.. ماهو أكبر من الكبائر الظاهرة.. فالرضا بالطاعة من رعونات النفس وحماقتها.. ولله درّ من قال: متى رضيت نفسك وعملك لله فاعلم أنه غير راض به.. ومن عرف أن نفسه مأوى كل عيب وشر.. وعمله عرضة لكل آفة ونقص.. كيف يرضى الله نفسهوعمله؟! وكلما عظم الله في قلبك.. صغرت نفسك عندك.. وتضاءلت القيمة التيتبذلها في تحصيل رضاه.. وكلما شهدت حقيقة الربوبية. وحقيقة العبودية.. وعرفت الله.. وعرفت النفس.. تبين لك أن ما معك من البضاعة.. لا يصلح للملك الحق.. ولو جئت بعملالثقلين خشيت عاقبته.. وإنما يقبله بكرمه وجوده وتفضله.. ويثيبك عليه بكرمه وجودهوتفضله. فحينها تتبرأ من الحول والقوة.. وتفهم أن لا حول ولا قوة إلابالله.. فينقشع هذا الحجاب. هذه هي الحجب العشرة بين العبد وبين الله.. كل حجاب منها أكبروأشد كثافة من الذي قبله. أرأيت يا عبدالله كم حجاب يفصلك اليوم عن ربك سبحانهوتعالى؟!.. قل لي بربك: كيف يمكنك الخلاص منها؟! فاصدق الله.. واصدق في اللجأ إليه.. لكي يزيل الحجب بينك وبينه.. فإنه لا ينسف هذه الحجب إلا الله.. يقول ابن القيّم: ( فهذه عشرة حجب بين القلبوبين الله سبحانه وتعالى.. تحول بينه وبين السير إلى الله.. وهذه الحجب تنشأ عنأربعة عناصر.. أربعة مسميات هي: النفس.. الشيطان.. الدنيا.. الهوى.. ). فلا يمكن كشف هذه الحجب مع بقاء أصولها وعناصرها في القلب البتة.. لا بد من نزع تلك الأربعة لكي تنزع الحجب التي بينك وبين الله. نسأل الله أن يوفقنا للإخلاص في القول والعمل وأن يتقبل أعمالنا. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.